الاغتيال
هذا الإبداع الدموي الذي لطخ التاريخ والجغرافيا
في آخر نهار يوم مبكر من التاريخ- وربما في الوجود كله- تحرك السيد قابيل خارجاً من كهفه الخاص، وانتحى جانباً وراء التل حيث كمن بين عدة صخور مترقباً، وحين اقترب أخوه هابيل عابراً في طريقه ليتنسم الهواء الطلق، داهمه في غيظ وحنق، ليصك رأسه بحجر، وقيل إن قابيل استخدم في ذلك هراوة غليظة، ليقع هابيل صريعاً، وخلال الخطوات الحثيثة لحركة البشر : إلى نشاط يمور به العقل في أكثر حالاته مكراً واندفاعاً وخداعاً وأداء وجُبناً وتألقاً، تجاوز الحجر والهراوة ليكتشف الحربة، والسيف، والسهم، وأصابع اليدين، والنار، والحبال ، والسكين، والشفرة ، والمزراق ، وسموم التعفن والتأكسد ودم الحيض الأنثوي، والاختناق، وتمزيق الأوردة والشرايين، والغازات ، ودس الحشرات في الفراش ، والبارود، والرصاص، والجراثيم، والقنابل، والأشعة، وعشرات من الوسائل والطرق والعناصر التي أنتجت- موازية لها- أنواعاً من المكائد والجرائم والخطط والحيل والقوانين والتفسيرات والعلوم.
وقد سال دم كثير تحت أعقاب الأبواب، وفي الفراش، وعلى المقاعد، وفي القطارات، وتحت ظلال الشجر الرومانسي الحالم، وبين سطور الكتب الموروثة وما تلاها من أسفار، وفي كبائن التليفونات ومحطات الإرسال التليفزيوني وحتى في المحاكم أثناء الانهماك في محاكمة قاتل عنيد : يترنح القاتل أمام القاضي ويسقط مغتالاً.
وتعج الذاكرة الإنسانية المكتوبة والشفاهية بهؤلاء الذين أفرزتهم واقعة قابيل وهابيل، ليكونوا فاعلين أو ضحايا، إذ لا يزال الباحثول يدورون حول جمجمة توت عنغ آمون إثباتا لاستنتاخ كسر في مؤخرتها : بالبلطة أو الساطور أو الشاكوش، كما أن علامات استفهام تحيط برقبة والدزوجته أمحوتب الرابع الملقب بأخناتون، والذي اصطرع مع كهنة أمون تعصباً لآتون.
رئيسا وزراء مصريان- وكانا صديقين في حزب سياسي واحدا في دار اغتيلا بطريقة واحدة في دار البرلمان : أحمد ماهر سنة 1945، وفي وزارة الداخلية- بجوار البرلمال محمود فهمي النقراشي سنة 1948. وبعد هزيمة 1967 انتحر القائد المصري عبدالحكيم عامر- وقيل إنه اغتيل، أو تم تسهيل وسائل إنهائه حياته ولو بيده، وجمال عبدالناصر نفسه هوجم في مارس 1954 في أولى محاولات اغتياله، لكنه رحل في آخرسبتمبر 1970 إثر اجهاد معروف، ثم أشيع أن نوعاً من السم قد دس إليه بشكل ناعم. ولعله من المهم أن نشير إلى أن ماجاء في كتاب لعبة الأمم للأمريكي الضالع في المخابرات كوبلاند، والذي صدر قبل رحيل عبدالناصر بثلاث سنوات، تضمن تصميما واضحا علـى اتخاذ أي وسيلة أو مكيدة للتخلص منه، وكان مقتل كنيدي قبل ذلك واقعة مؤثرة في التاريخ- وتلاه اغتياله الذي اغتاله: ازوالد. داج همرشولد- أمين عام الأمم المتحدة، والذي كان منهمكا في محاولة إنقاذ الزعيم الأفريقي اتريس لومومبا في الكونغو: سقطت به الطائرة في الأدغال، حدث ذلك أيضا للرئيس العراقي الأسبق عبدالسلام عارف- سقطت به الطائرة دون أدغال بعد أن تم الفتك بعبدالكريم قاسم بسنوات قليلة، ولاتزال الطائرة الهليوكوبتر التي انفجرت في الجو بعدد من ضباط نصرأكتوبرعلى رأسهم القائد أحمد بدوي تثير اللغط، اعتمادا على بدهية موروثة استنها الرومان : القادة المؤثرون لا يقيمون في موقع واحد ولايتحركون في جماعة واحدة، وبين دقائق وشهور وسنوات وقرون الماضي يتم اغتياله عمر بن الخطاب والإمام حسن البنا، والضابط عبدالقادر طه، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والحسين بن علي، والسير لي ستاك، والسلطان الغوري، وغاندي، والملك عبدالله- جد الملك حسين- وكليب وجساس، وأبي الطيب المتنبي، وانديرا غاندي، وراجيف غاندي، وكليبر "بيد سليمان الحلبي" وراسبوتين والأب عبدالقدوس "المماثل الصعيدي لراسبوتين الروسي" وكليوباترا "انتحرت "، والحاكم بأمر الله "وضعوا جثته على حماره وتركوها هائمة كما كان الحاكم يهيم حيا"، وهناك أمور غامضة في اغتيالى لورانس "حادث موتوسيكل في لندن" وأحمد حسنين صاحب السطوة على أسرة الملك فاروق " ;حادث سيارة على كوبري قصر النيل" واسمهان "غرقت في سيارة اندفعت إلى مياه مصرف مائي بالدلتا" وكاميليا " احترقت بها الطائرة"، كل هؤلاء- من باب التنبيه- وقعوا في مجال التعامل مع الألمان أو الإنجليز في الحرب العالمية الثانية، ثم هناك الأسقف بيكيت الذي اغتاله هنري الثامن ملك انجلترا.
وأما المشهد المروع الذي فاق في إبداعه الفني مقتل جون كنيدي فهو مشهد اغتيال أنور السادات بعد الفتك بكنيدي بثمانية عشر عاما، وقتل هابيل بثلاثة وتسعين ألف سنة وثمانية شهور وتسعة أيام على أدق الفروض.