أذهل نمو إنترنت السريع خلال الأعوام القليلة الماضية - حيث يوجد هناك نحو40 مليون مستخدم - الجميع بمن فيهم الأكثر تفاؤلا أو حماسا لها. فقد أضيف ما يزيد على 30 مليون كمبيوتر مضيف جديد إلى إنترنت في عام 1995. كما يوجد في الوقت الحالي نحو(5) ملايين كمبيوتر مضيف على الإنترنت. إنه من الصعب تخمين عدد المستخدمين لهذه الملايين الخمسة من الكمبيوترات المضيفة إلا أن العدد المتوقع هو نحو30 مليون مستخدم، ولنا أن نتخيل كيف سيكون شكل العالم خلال السنوات الخمس القادمة وكيف سيتبدل شكل التقارير وحجمها ونوع المعلومات الواردة منها، وإلى أي مدى سيتم اختصار الزمن، وإلى أي حد سيصبح من الضروري لمستخدمي الإنترنت أن يعرفوا أن المركز التدريبي أو المكتب الإقليمي للشركة لا يتعدى جهاز كمبيوتر مع موديوم موجود في غرفة نومك، فمبدأ العمل من البيت يجد متنفسا في الطاقات الكامنة في الإنترنت. فهذه الشبكة المؤلفة من بلايين محطات الكمبيوتر المشبكة بالهاتف توفر إمكانات هائلة في مجالس التسويق والعلاقات العامة والاتصالات (الرخيصة) والإعلان. والشبكة العالمية ( World Wide Web ( W.W.W تتيح لأي شخص أو شركة إنشاء صفحة خاصة به أو بها تحوي صورا ونصوصا وحتى ملفات صوتية لتقديم لمحات عن مجال أعمالها أو مواضيع مختلفة عديدة. إن استخدام المدربين أو مراكز التدريب لهذه الميزات سيمكنها من توفير تكاليف الإعلان في الجرائد والمجلات عن برامجها أو توفير حملات البريد الموجهة إلى مديري التدريب والتنمية البشرية، فضلا عن استفادة المهتمين بالتدريب من فيض المعلومات المفيدة المتوافرة عن برامج التدريب، والأفلام، والمؤتمرات، وخبراء التدريب العالميين، أضف إلى ذلك توفير خدمة الاتصال بالبريد الإلكتروني مع العملاء والموردين، وكذلك إمكان المشاركة بالعديد من مجموعات المناقشة في إنترنت في توسيع أفق المشترك من نواح عديدة قد نشعر معها بعدم حاجته إلى الانتقال إلى المدرب أو قاعة التدريب أو
الاتصالات الدولية المحمولة يدويا
الهاتف العالمي وهو نتيجة إنفاق 11 مليار دولار سيشكل ثورة جديدة في عالم الهو اتف المتنقلة. من خلال هذا النظام سيتم تبادل المحادثات الهاتفية عبر القارات والمحيطات بواسطة العديد من الأنظمة والشبكات المختلفة، ذات نقاوة كاملة بالإضافة إلى مميزات تبادل البيانات والمعلومات.
هناك الآن خمسة مشاريع عالمية تسابق الزمن كي تنقل هذه الحقيقة للمجتمع العالمي، وفي سبيل بناء البنية التحتية الفضائية ستقوم هذه الشركات بإطلاق ما يزيد على 1000 قمر صناعي في قدرات مختلفة الارتفاع بحلول عام 2010، وباكتمال هذه المشاريع لن تبقى الاتصالات العالمية حبيسة المشاريع، ولن تبقى كذلك حبيسة السياسات المحلية.
وإن كانت التكلفة ستمثل عنصرا مهما في اقتناء المعلومات من عدمها، فإن استخدام الكمبيوترات الشخصية والتقدم التكنولوجي المذهل سيمكن من الوصول إلى شبكات الإنترنت أو غيرها من الشبكات أو الفيديووالرسوم ثلاثية الأبعاد وبأسعار موازية لأسعار الكمبيوتر الشخصي. بل إن إعادة صياغة الأشكال الفنية المتعارف عليها لأجهزة الكمبيوتر الشخصي المكتبية تتيح التوصل إلى ما يطلق عليه التراكمبيوترنج Ultra Computering المتضمنة للعديد من القدرات التي تساعد على زيادة الإنتاجية والمنافسة وتخفيض التكاليف بل إنه بالإمكان الآن إنتاج فيلم تدريبي بالكامل دون تدخل العنصر البشري أو قلم الرصاص أو الفرشاة في إعداد كل ما يتعلق بالفيلم باستخدام محطات عمل جديدة من نوع Spark شبيه بتلك التي تستخدمها شركة والت ديزني في إنتاج أفلامها الجديدة.
الأجهزة متعددة الوظائف
يعتقد الخبراء في مجال التجهيزات المكتبية الحديثة أن الأجهزة متعددة الوظائف في سوق المكاتب الصغيرة (أو البيوت) ستلاقي نجاحا كبيرا بسبب انخفاض أسعارها، وبسبب توفيرها للمساحة المكتبية.
ويعتبر تقرير شركة بي إيه كونسلتنج أن الشركات التي ستستثمر في تقنيات حفظ الوثائق وإدارة سير العمل ومسح الوثائق ضوئيا ستحقق مكاسب حقيقية مثل تخفيض الوقت اللازم للعميل للاستجابة بنسبة 80% وزيادة الإنتاجية بنسبة 50% وضمان أن تكون كل عملياتها ومنتجاتها ملبية لشروط الجودة العالمية المطلوبة من قبل العملاء والجهات الحكومية.
إن الدافع وراء الأخذ بهذه الأدوات هو ازدياد حجم الورق المستهلك في المكاتب خلال الأعوام السابقة بنسبة 600%، برغم تنبؤات قديمة بأن تسهم تقنية الأعمال والمعلومات في تحقيق حلم المكتب اللا ورقي. بل إن الدراسات تشير في ذلك إلى أن العاملين في الوقت الحاضر يمضون أكثر من 60% من وقتهم في التعامل مع أو راق مطبوعة الأمر الذي يكلف بعض المؤسسات أكثر من مليار دولار سنويا بسبب ضياع وقت الموظفين في البحث عن الأوراق ونقلها.
وستسود قيم جديدة للعمل والحياة مثل:
العمل عن بعد: تتوقع حملة (أيها الأمريكيون.. اعملوا من "داخل بيوتكم المدعومة") - من قبل الحكومة الأمريكية - أن يبدأ أكثر من مليون أمريكي العمل هذا العام بعيدين عن مكاتبهم فيما بات يعرف بأسلوب: العمل عن بعد..
وسينضم هذا المليون إلى الملايين التسعة الآخرين من العاملين الذين تحولوا إلى العمل من داخل بيوتهم مستخدمين أجهزة الكمبيوتر والموديوم (وهي الأجهزة التي تسمح بنقل بيانات الكمبيوتر إلى خطوط التليفونات العادية).
وتهدف هذه الحملة التي بدأت في العام الماضي 1995 إلى إقناع العالم بجدوى وميزات العمل خارج المكتب التقليدي باستخدام التقنية الحديثة واستبدال مكاتب الأعمال التقليدية بالمنزل. وبرغم عدم توافر معنى دقيق (للعمل عن بعد) بسبب اختلاف مدة الوقت المنقضي في العمل من داخل البيت ونوع التقنية والأجهزة المستخدمة في الولايات المتحدة فإنه يعمل أكثر من: 13% من حجم العمالة الكلي في كثير من الأحيان داخل المنزل مقارنة بـ 8% من أوربا.
وتعرف (الأيتو) مركز مراقبة تقنية المعلومات الأوربية (العامل عن بعد) بذلك الذي يعمل لمدة يوم إلى خمسة أيام داخل بيته خلال ساعات العمل الاعتيادية، وبناء على هذا التعريف يوجد في أمريكا حاليا: 650 ألف مكتب يستخدم طريقة العمل عن بعد مقارنة بـ 410 آلاف مكتب في أوربا.
وتكمن فوائد العمل عن بعد في تخفيض قيمة العقارات، وزيادة الإنتاجية ورفع الروح المعنوية، وتحليل صراعات العمل، واستثمار أفضل للوقت، بالإضافة إلى تخفيض تكلفة الوقود والنقل والاستهلاك. ويتوقع المحللون أن تتزايد أعداد العاملين عن بعد بنسبة 3% سنويا.
لذلك يصبح من الضروري إحداث تغييرات جوهرية في نظم العمل والإدارة وفي طبيعة الدورات التدريبية اللازمة لدعم المهارات المتعددة من ناحية، ولتقليل حدة المشاكل المحتملة من ناحية أخرى. وعلى كل الأحوال سيظل السؤال المطروح هو : كيف سيكون شكل التدريب؟
وأين موقعه في المستقبل القريب مادام العمل والإدارة أصبحا بالفعل عن بعد ؟
وكيف يمكن للتدريب أن يتم عن قرب ؟
وسيظل العمل أو التدريب عن بعد ينتشر ببطء إلى أن يدخل العالم أجمع عصر المعلومات الجديد، الذي ربما يجعل أناس المستقبل يتعجبون من أننا (أسلافهم) كنا نستيقظ صباح كل يوم نرتدي فيه البدلات ونقطع المسافات البعيدة للذهاب إلى أعمالنا أو يسافر المدربون ويقطعون مئات الأميال أو الآلاف منها لإلقاء محاضرة داخل قاعة مغلقة، ليس بها سوى جهاز كمبيوتر على أكثر تقدير، بل سيذهلهم هذا العدد الهائل من الطلاب داخل قاعات الجامعة وهذا المشهد التقليدي للسبورة والطباشير والميكرفون السلكي.
القرصنة الفكرية
عندما نسمع كلمة قرصنة تعود بنا الذاكرة إلى مرحلة بعيدة من التاريخ، حيث تقوم بعض السفن برفع علم أسود رسمت عليه جمجمة وعظمتان متقاطعتان، إضافة إلى مجموعة من الأشرار يرتدون ملابس رثة، تنبعث منها رائحة كريهة، يهاجمون السفن الأخرى للاستيلاء عليها وعلى ما تحمله. إن القراصنة الذين نتحدث عنهم لا يمتون إلى أولئك الرجال بصلة سوى أنهم يسرقون برامج الكمبيوتر المطورة حديثا ويعملون على نسخها أو فك رموزها، ومن ثم ترويجها دون إذن أو حق بما يحدث خسائر كبرى للشركات المطورة للبرامج على شكل مبيعات غير محققة ويجعلها تحجم عن الاستثمار في المناطق التي لا توجد فيها القوانين الصارمة التي تمنع القرصنة بأنواعها والتي تحد من إمكان توفير الخدمات المتعلقة بعمليات ما بعد البيع. وفيما يتعلق بالمستخدمين للبرامج المقرصنة فإنهم قد يكونون الطرف الأكثر تضررا نتيجة غياب الدعم أو الحصول على النسخ الجديدة نظير مبلغ زهيد نسبيا أو الإضرار المباشر بأجهزتهم والبيانات الموجودة عليها.
وتشير أرقام القرصنة في العالم إلى الحقائق التالية:
(1) إن نسبة القرصنة في فرنسا تصل إلى 66% من مجمل المبيعات. وفي بريطانيا 49%، وفي أمريكا 35%.
(2) تتجاوز نسبة القرصنة في دول شرق آسيا ودول الشرق الأوسط نسبة 90%.
(3) قدرت الخسائر الناجمة عن القرصنة في 11 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحدود 666 مليون دولار في عام 1994 .
وفيما يلي بيان بحجم الخسائر من مجمل المبيعات:
مصر 84.1 مليون دولار بنسبة 93%
السعودية 82.3 مليون دولار بنسبة 90%
الإمارات 54.4 مليون دولار بنسبة 99%
الكويت 25.4 مليون دولار بنسبة 98%
وهنا تتضح مدى الحاجة إلى وضع قوانين أو أساليب للحماية من القرصنة، هذه الأساليب التي يجب أن تتنوع تباعا لاختلاف أساليب قرصنة برامج الكمبيوتر وتنوعها. بالإضافة إلى تطوير مسألة حماية حقوق الملكية الفكرية في العالم أجمع بإنشاء الاتحادات الدولية أو العالمية، مثل اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر الذي تأسس في عام 1988م من قبل 6 شركات أمريكية مطورة للبرامج منها مايكروسوف نوفيل، ولوتس.
كيف سيتغير شكل القيم السائدة في بيئة العمل في ضوء هذه التغيرات التكنولوجية المهمة ؟، ومتى سيصبح للتدريب اتحاد لمنتجي البرامج التدريبية الإدارية، يحمي حقوق المدربين ؟، ويحمي كذلك المتدربين من المواد التدريبية الفاسدة أو المسروقة ؟ أو حاملة فيروسات الغش والخداع لبعض المدربين الهو اة من جماعة القرصنة التدريبية ؟ أسئلة عديدة باتت في مضمونها هي الأهم.
والأجدى عند الإجابة عليها من العديد من قضايا التدريب التي سئم الفرد من ترديدها أو حتى ترديد الإجابة عنها.
بيئة تدريب بالغد
إن قراءة المتغيرات المشاهدة ومحاولة تفسير مدى تأثيرها في سير العمل وطبيعة العلاقات بين المدخلات المؤثرة على العملية الإنتاجية، أو الخدمية أيا كان نوعها.. يساعدنا على التوصل إلى قراءة طبيعة التغيير التي من المتوقع أن تحدث في معطيات العمل الإداري بصفة عامة والتدريبي بصفة خاصة. ونستعرض هنا عددا من الملامح التي أفرزتها هذه التغيرات والتي ستشكل خصائص السلوك المهني للمدرب أو التدريب بالمستقبل القريب.
وتتلخص هذه الملامح فيما يلي:
(1)
سرعة الاستجابة : لكل ما يدور في عالم التكنولوجيا والمعلومات، وينعكس ذلك في سرعة اتخاذ القرارات، وإمكان تبديل وتعديل المسارات الاستراتيجية للشركات، وتطوير نظم وأساليب العمل، وتطوير وتحديث المواد التدريبية وأساليب التدريب، وسرعة الاستشفاء من أي أزمة أو مشكلة إدارية.
(2)
التباين المتكامل: تنوع المعارف والمهارات وتباينها بما يخدم الأداء الكلي للمدرب، فلن يكون هناك المدير المسيطر وحيد الرؤية، وسيختفي المدرب الملقن أو المقدم بل يلزم الأمر الاعتماد على المدرب المتكامل القادر على تقديم التدريب (يصمم مادة - إنتاج أفلام - إنتاج برامج حاسب آلي - إنتاج معينات - تقديم البرامج)، والبحث عن المدير المرئي متعدد المهارات والرؤى، سريع الاستجابة للمتغيرات المحيطة به، مبادر ومبدع ومتطور.
(3)
النقل: نحن نعيش حالة مستمرة من تبدل عملية النقل أو ما يمكن أن نطلق عليه التحرك العكسي، فبدلا من أن ننتقل إلى ما نريد سينتقل إلينا أو بالأحرى ينقل إليها ما نريد أو تنقل إلينا ما نريد، وبدلا من الانتقال إلى مراكز المعلومات ستنقلها إلينا، وبدلا من الانتقال إلى العمل سننقل العمل إلى منازلنا، وأيضا بدلا من الانتقال إلى مراكز التدريب سننقل المدرب إلى مواقعنا. هذه العملية من النقل تستلزم عملية نقل مماثلة في أسلوب التفكير وأسلوب الحياة وأساليب التدريب.
(4)
الذاتية والإعتمادية: يمكن لكل منا أن يصمم مكان أو موقع التدريب بما يتلاءم مع مهاراته وقدراته وإمكاناته المالية، سيحكمه في ذلك القدرة على الاستيعاب والقدرة على تسويق الذات Self Marketing وفي نفس الوقت لن يستطيع المرء أن يعمل منعزلا عما يدور حوله مهما كانت كفاءته وبراعته وسينهار جدران السرية والحرفية الكاذبة لبعض المدربين على مد أيديهم لصغار مبرمجي الحاسب أو أخصائي شبكات إنترنت، أو مصممي المكاتب الحديثة أو مهندسي الوسائل الإيضاحية المتعددة الأغراض Multi Media. وسيلتقي كبار المديرين حول صانعي التكنولوجيا يطلبون عونهم، وتلقي العلم والمعرفة على أيديهم.
(5)
المرونة: إن التمسك بالمرونة هو الشيء الوحيد الذي يمكن التمسك به، حيث الإصرار على الالتزام بأمر آخر سيصيب المرء بالتقادم السريع. والانفتاح على الآخرين، والمبادرة، والاطلاع على ما يدور بعالم التكنولوجيا والمعلومات، والاستماع إلى الأخصائيين كل في مجاله، وتبديل وتنويع المنتج أو الخدمة، وتنويع أساليب التقديم والعرض. كل هذه الخصائص ستصبح أمرا طبيعيا، بل أمرا لازما للتعايش مع عالم اليوم.
(6)
تعويم الولاء: انتقل الولاء وتغير معناه خلال مراحل عديدة من الزمن، واستقر عندما نطلق عليه الولاء التنظيمي أو ولاء الفرد لمؤسسته. سيختلف معنى الولاء مع اختلاف بيئة العمل، العمل عن بعد، والعمل لأكثر من جهة، والاستعانة والاستفادة بجميع الموردين والتعامل مع جميع العملاء بلا حدود، سيصبح الولاء عاما أو عائما بلا حدود وبلا ملامح وبلا هو ية. الولاء الوحيد هو للذات وللنمو وللمرونة وللتكنولوجيا والمعلومة وفوق كل شيء للمعرفة.
(7)
حق المعرفة: إن التقدم التكنولوجي المذهل الذي يشهده العالم سيوفر قدرا مهما من المعرفة المباشرة التي يمكن التزود بها من مصادرها الأولية دون قيود للغة أو الجنس أو الخبرة أو الجنسية. سيصبح من حق الجميع أن يعرف Right To Know ومن حق الجميع أن يناقش ومن حق الجميع أن يتعلم ويتدرب. وستحل محلها سلطة المعرفة وسيرفع شعار (الإدارة بالمعرفة من يعرف يدر).
(8)
معنى الأداء: تغير معنى الأداء سيصبح أمرا حتميا من حيث مضمونه، وتطويره، وقياسه. سنحتاج إليه حتى نعيد تعريف معنى كلمة أداء، وكذلك ستسقط نماذج تقارير الكفاية السنوية التي تكتظ بمتطلبات شاغل الوظيفة أو بمواصفاته كالحزم، والتعاون، والابتكار، وحسن المظهر، الخبرة العملية وغيرها من معايير قياس الكفاءة. سنحتاج إلى معايير أخرى مختلفة تماما، وربما يصبح تقييم الأداء لا داعي له بالمرة في وسط هذا التحرك السريع والمرونة الفائقة، وسيكتفى عندئذ بمتغيرات رئيسية حاكمة للأداء، أهمها الكمية والدقة، وسرعة الاستجابة، والتطوير المستمر في العمل، والعملية والأدوات.
إن الجينات الإدارية التي كانت مسئولة خلال فترة زمنية سابقة عن إنتاج أنماط قيادية وعملية لها سمات وخصائص معينة، ستتغير وسيصبح من الممكن بالمستقبل أن نتدخل في جينات الإدارة لتكوين قيادات ومدراء ذوي فعالية وكفاءة مستمرة، تماما كما نجحت البشرية في تفسير سلوك بعض الجينات، ودخل العالم مرحلة الهندسة الوراثية، وعندئذ سيتأكد القول إن الإنسان حصاد معارفه.
(9)
حرية الاختيار: حق تقرير المصير كان شعارا سياسيا تطالب به الشعوب، وتعتبره هدفا قوميا عزيزا يسعى الأبطال إلى تحقيقه. وحرية الاختيار باتت حقيقة مسلمة لكل العاملين والمديرين، فالتنوع الهائل في عالم الأجهزة والتكنولوجيا والبدائل الواسعة المتاحة أمام كل مدير توقعه في شبكة عنكبوتية معقدة مليئة بالخيارات والبدائل التي يمكنه أن يختار منها حسب احتياجاته وطبقا لمستوى طموحاته.
(10)
التلمذة الفكرية: كثيرا كنا وما زلنا نسمع عن التلمذة الصناعية، هذا الأسلوب التقليدي الذي ينقل به قدامى الصناع المهرة خبراتهم إلى حديثي الالتحاق بالعمل من صغار الفنيين عديمي الخبرة. معتمدين في ذلك على التدريب المباشر Coaching أو التدريب على رأس العمل On-Job. Training بجميع أشكاله. أما الآن فبالإضافة إلى التعلم المباشر المتبع في التلمذة الصناعية أصبحنا نعيش الآن التعليم عن بعد Distance Learning ونحيي مرحلة من التلمذة الفكرية التي تكاد تعدل حالة الذهن State Of Mind من مرحلة التلقي إلى مرحلة المبادرة والإبداع ومن مرحلة الهندسة إلى مرحلة الهندسة العكسية Reverse Engineering ومن مرحلة العمليات إلى مرحلة إعادة هندسة العمليات.
(11)
نحن بدلا من أنتم وهم: المستهلك أو العميل أو طالب الخدمة اصطلاح تعودنا أن ننظر إليه باعتباره الهدف النهائي من الإنتاج أو الخدمات، واعتبرنا أن رضاءه التام غاية يجب إدراكها، وسقط القول إن رضاء الناس غاية لا تدرك، تلك المقولة التقليدية التي يمكن أن تتسع لتشمل كل حالات الخلل في أداء الخدمات أو المعيب في جميع أشكال المنتجات. هذا ما تعودناه شكلا ومضمونا. هل ستتغير هذه العلاقة في ظل حالة (النقل) التي يواجهها العقل البشري الآن من انتقال المنتج إلى المستهلك إلى نقل المنتج إلى المستهلك أو استدعائه آليا ؟ وكيف سيكون شكل العلاقة ؟ وما حدود الرضاء التام التي نتحدث عنها الآن ؟ Customer Total Satisfaction. نعم سيتغير كل ذلك بعد ما أصبح المستهلك شريكا في العملية الإنتاجية والخدمية. بل إن بعض الصناعات نقلت عناصر أداء الخدمة إلى المستهلك نفسه، حتى أصبح هو نفسه جزءا من عملية أداء الخدمة وأحد عناصر قياس تميزها، تماما كما حدث في عالم الفنادق بعدما نقلت الفنادق خدمة الرسائل والاستقبال إلى النزلاء من خلال أجهزة التليفون المسجلة لرسائله أو البطاقات البلاستيكية المثقبة التي يستخدمها كبديل للمفاتيح التقليدية. بل إن حساب الضيف صار يظهر على شاشة التلفزيون بغرفته فلم يعد بحاجة إلى أن يدقق في فاتورة حسابه الشخصي وهو يستعد لمغادرة الفندق.
(12)
المعايشة الحقيقية: Virtual Reality تعد المحاكاة من بين أهم أساليب التدريب الفني والمهاري، وفيها يتم التدريب من خلال أجهزة تماثل الواقع في تصوراتها وتحركاتها واستجاباتها الآلية. ويستخدم هذا النوع من التدريب في الحالات التي يصبح التدريب العملي عليها متعذرا وعسيرا، كما في حالات التدريب على الطيران. على سبيل المثال لا الحصر: أن التكنولوجيا العصرية المتقدمة صورت من صور المحاكاة إلى حد المعايشة الحقيقية من خلال برمجة تمكن المتدرب من معايشة الواقع تماما بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وانعكس ذلك على لعب الأطفال وغروغرف الجراحة، وشكلت الصور ثلاثية الأبعاد بعدا مهما لمعايشة كل ما يدور حولنا من خلال حزمة من الأسلاك ومجموعة من النبضات التي تمكنا من التعلم من خلال معايشة حقيقية لما يدور حولنا دون أن ننتقل إليها. وصار للجراح أن يجري عملية جراحية كاملة عن بعد باستخدام القفازات الإلكترونية وبالاستعانة بالإنسان الآلي الذي دخل مرحلة منافسة شديدة للعبقرية البشرية التي كانت السبب وراء ظهوره.