متحف الكويت الوطني، متحف طارق رجب، المتحف العلمي، متحف الهاشمي البحري، متحف دار الآثار الإسلامية، بيت السدو وبيت ديكسون، هي متاحف ومزارات أثرية عريقة تزخر بها دولة الكويت، وتعد وجهة ثقافية قيّمة لمن يود التعرف على تاريخ فن وتراث هذا البلد.
حرصت الكويت على إنشاء المتاحف لاستعراض الجانب المادي الملموس حول الماضي العريق بما فيه من مجالات الحياة الفكرية والإقتصادية والسياسية، كما عملت جاهده على جمعه وتوثيقه ليشهد تطور ونهضة شعب عني بالأدب والفن.
وفي يناير 2003 شهدت الكويت افتتاح متحف الفن الحديث، أحدث المتاحف الفنية الموجودة ويتميز عن غيره بخصوصية المكان والمحتوى،افتتح بعد أن شهد المبنى التاريخي (المدرسة الشرقية للبنات) عملية ترميم شاملة، لإعداه وتهيئته ليضم مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية المعاصرة لفنانين كويتيين وعالميين.
مدرسة الفن الحديث
في إطلالة شاعرية على أمواج الخليج العربي، يقبع هذا المبنى الأثري القديم، الذي تعد جدرانه شاهدا حضاريا على نهضة تعليمية مبكرة شهدتها الكويت،فقد كانت تشغل هذا المبنى المدرسة الشرقية، التي أنشئت في العام 1938-1939 كمدرسة للبنين في بادئ الأمر، ومع تزايد الإقبال التعليمي وتقبل المجتمع لفكرة تعلم الفتاة في المدارس حولت فيما بعد مدرسة للبنات، وقدظلت فترة طويلة تتبع ادارة المعارف - وزارة التربية حاليا- يذكر أن المدرسة الشرقية في هيئتها الأولى تخرج منها العديد من رجالات الكويت ومن أبناء الأسرة الحاكمة، كما درس بها العالم الفلكي الكويتي الدكتور صالح العجيري وغيره كثيرون. ومع النهضة التعليمية المتسارعة وإقامة العديد من المباني العصرية أهمل مبنى المدرسة من دون أن يفقد قيمته الأثرية، إلى أن ظهر توجه تبنته منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة تدعو فيه حكومات الدول الى الحفاظ على المباني الأثرية والحرص على إعادة ترميمها وحمايتها حتى لاتندثر بفعل الزمن. وعلى أثر هذه التوصية نقلت تبعية مبنى المدرسة الشرقية إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،الذي باشر في العام 2001 أعمال صيانة وترميم المبنى بمواد طبيعية تكاد تكون قريبة من المواد الأولية التي بنيت منها، مثل الطين والجص والخشب والحصير.
ترميم المبنى
لقد ظل مبنى المتحف لفترة طويلة بحالة متهالكة، حيث أهمل منذ العام 1990 مما ألحق به العديد من الأضرار، حتى بدأ العمل فيه وفق دراسة انشائية معمارية شاملة قام بها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بهدف التعرف على مدى متانة أساس المبنى وقدرته على تحمل أعمال الترميم. خاصة أن المبنى يتكون من جزأين جزء طيني وآخر أسمنتي، والجزء الأول يمثل «الحوش أ»، وفيه البوابة الرئيسية وساحة واسعة تحيط بها مجموعة من الغرف الصغيرة. وقد كان شبه منهار مما ألزم القائمين على ترميم المبنى إعادة بنائه وليس ترميمه، خاصة في الأجزاء المفقودة والتالفة في الأسقف والحوائط، بفعل العوامل الطبيعية والتفاعلات الكيميائية لها الناتجة من تفاعل مياة الأمطار والأكسجين. مستخدمين في عملية إعادة البناء مواد تم استعمالها في عملية البناء الأولى وتعتمد أساسا على الطابوق الطيني، ومضيفين عليها مواد رابطة كيميائية بحيث يحفظ تماسك الطين لمدة أطول ويزيد تصلب الطين، محافظين قدر الإمكان على الهيئة الأساسية للمبنى. والجزء الثاني كانت حالته شبه سليمة حيث تشكل من مواد أسمنتية مكنته إلى حد ما من مقاومة عامل الزمن، وكان يشغل نفس مساحة الحوش الأول، إلا انه لم يخل من المعالجة الطفيفة خاصة لبعض الأسقف.
إن من يزر المتحف ينجذب إلى التصميم المعماري القديم وغير المعقد الذي تفتقده الأبنية الحالية، ولمواكبة التطور المعماري الحديث تم إدخال بعض الانظمة التقنية المتطورة في عملية الترميم، وللحفاظ على أصالة المبنى أدخل نظام تصريف مخفي لمياه الأمطار التي كانت في السابق تعتمد على مايسمى بالمرزام حيث تصرف المياة من فتحات صغيرة تسقط على الحوش، كما غطي الحوش الثاني بغطاء شفاف تخترقه أشعة الشمس في الفترة الصباحية ومجهزة بإضاءة عالية التقنية، وينظم به حاليا العديد من الندوات الثقافية كما يستغل أحيانا كصالة للعرض. ومن التغييرات الجديدة لافتة المدرسة الشرقية فقد استبدلت وبشكل قريب نسبيا من الشكل القديم ووضعت في المكان ذاته، كما ألغيت دورات المياه القديمة وادخلناها ضمن صالة العرض الأساسية وأعيد بناء دورات المياه لتكون حديثة ومطورة تتناسب مع المتحف.
يبدو أن عملية تحويل مبنى أثري من مدرسة إلى متحف لم يكن بالأمر اليسير، فقد سعى القائمون على ترميمه بإضافة لمسات خاصة توحي بقدم المكان فمن السيراميك المعتق غطيت أرضية المبنى بالكامل، ليتكامل مع الأبواب والنوافذ الخشبية الأصلية التي تعود إلى العام 1939 وقد تم الاحتفاظ بالخشب وأجريت عليه عمليات الحف والتنظيف من الشوائب والفطريات وإعادة الصباغة كما أضيفت الأقفال إلى الأبواب.
حافظ المتحف على خصوصية الأبنية الكويتية القديمة وتصميمها المعماري العتيق اللذين يوشكان أن يختفيا في يومنا هذا. فمن بوابة خشبية طوق أعلاها بقطع معدنية حديدية صمم المدخل الرئيسي للمتحف على نمط مداخل بيوت كبار التجار في كويت الماضي، حيث يستشعر الزائر منذ الوهلة الأولى أصالة التراث، خاصة حين يمتد نظره عشرات الأمتار إلى وسط فناء مربع كبير،، ويعرف هذا الحيز المكاني باسم «الحوش أ» تحيط به مجموعة من الغرف الصغيرة المتجاورة يفوق عددها عشر غرف، لكل منها طابع وموضوع خاص يستشفه الزائر أثناء تجواله بالمتحف.وإن اتبعت مسار المتحف منذ البداية فقد تجد نفسك في غرفة، تقدم لك نبذة تاريخية مصورة فوتوغرافيا ووثائقيا حول ما شهده هذا المبنى منذ إنشائه كمدرسة حتى ترميمه كمتحف. فعلى جدران هذه الغرفة علقت صور جماعية باللونين الأسود والأبيض للدفعة الأولى للطلبة الذين تعلموا بها، وكذلك صور للأساتذة العرب الذين أسسوها ومن لحق بهم من طلبتهم فيما بعد. كما تضمنت صورا عن البيئة الكويتية القديمة ومااحتوته من أنشطة اقتصادية بسيطة كان يمارسها الكويتييون قبل النفط كالصيد والغوص على اللؤلؤ والتجارة البحرية والرعي.
ولملامسة عراقة الماضي، احتفظت هذه الغرفة بمساحة مربعة صغيرة للبناء الأول للمدرسة لم ترمم، على أحد جدرانها وقد تم تغطيتها بزجاج شفاف، يرى الزائر من خلالها المواد الطبيعية التي استخدمت سابقا في بناء المدرسة، أما الغرف المجاورة فمنها ماخصص لموظفي المتحف ومنها ومااحتضن مجموعة من الأعمال الفنية، كما توجد في «الحوش أ» صالة عرض كبيرة تشهد بين الفترة والأخرى عروضا لأعمال فنانين زائرين وندوات ومحاضرات فنية.
ومن خلال ردهة صغيرة تربط بين قسمي المتحف يدخل الزائر إلى «الحوش ب»، ويخيل له أحيانا أنه لم يخط خطوة خارج الحوش الأول لشدة التشابه والتناغم بين الفناءين، وأهم مايميز «الحوش ب» انتشار التماثيل والمنحوتات التي تجذبك للتعرف عليها، خاصة أن المادة النحتية للتماثيل متنوعة، فمنها الخشبية ومنها الصخرية الرخامية، وأخرى منفذة بسبيكة البرونز، هذه الأعمال بأحجام مختلفة، محتفظة بقيمتها الجمالية رغم مرور عقود زمنية.
وللمتحف طابق ثان، يشبه الأول من حيث التصميم، يحتوي على حجرات صغيرة تضم أعمالا فنية متنوعة. ولكن يظل للعلو الرأسي جمال من نوع خاص، فمن خلال شرفة كبيرة تنتصف الطابق الثاني، يمكن للزائر أن يطل من خلالها على أعمال النحت المعروضة في «الحوش ب»، خاصة في المساء وبعد غياب الشمس حيث تلعب الإضاءة الصفراء دورا خلابا، يوحي بمحاكاة بين التماثيل وظلالها على أرضية ساحة المتحف.
ويحظى الزائر برؤيته بمنظر جميل يعكس سحر الخليج العربي وقلب العاصمة النابض.
عطاءات فنية
يضم المتحف مجموعة مقتنيات الدول التي قام بجمعها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب منذ انشائه عام1973، وتأسيس صالة الفنون عام 1974 بداية تنظيم المعارض التشكيلية على مدار السنة.
ويحتوي المتحف على قطع ثمينة ونادرة لأعمال فنانين كويتيين من رواد الحركة التشكيلية في الكويت، ففي الحجرات الصغيرة المنتشرة في أرجاء المتحف نجد أعمال الفنان سامي محمد النحتية مثل « الاختراق» و « العمود الأزرق والأصفر»، كما يبرز التمثال البرونزي «الصوت الضائع» للفنان الراحل عيسى صقر ويصادفك تمثال «المستلقية» بالجانب الآخر، بالإضافة إلى فنانين آخرين مثل خزعل القفاص وجاسم بوحمد وعبدالعزيز الحشاش. كما يضم المتحف مجموعة أعمال فنية للنخبة والمتميزين من فناني الدول العربية الشقيقة والدول الاسلامية والاجنبية الصديقة قد تم اقتناؤها عند استضافة هؤلاء الفنانين بتنظيم معارض لهم بالكويت، للتعرف على فنونهم واتجاهاتهم الفنية الحديثة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر من لبنان بول غاروغوسيان،محمد قدورة، أمين الباشا، فاطمة الحاج، ومن مصر صلاح طاهر، إنجي أفلاطون، مصطفى عبد المعطي، حسن سليمان، صالح رضا وعمر النجدي، ومن سورية نذير نبعة، شلبية إبراهيم وإحسان غيتاني، ومن السودان إبراهيم الصولحي، أحمد عبدالعال وراشد دياب وغيرهم كثيرون من الأردن وفلسطين والعراق واليمن ودول الخليج العربي، ومن الدول الأجنبية نرى أعمال جيرالد بيليني وسوزان كرايل من الولايات المتحدة ورينيه كاسبر ومارك موني من فرنسا وجيري جراي من كندا وناصر أويسي ونصر الله مسلميان من إيران وغيرهم. ومن أبرز الأعمال الفنية مجموعة كبيرة من اللوحات تعج بها إحدى غرف المتحف للفنان الإسباني بدرو ريبالتا والتي أطلق عليها اسم «مجموعة الكويت» حيث قدمها كنوع من الدعم المعنوي وتضامنا مع الشعب الكويتي في محنته المتمثلة بالغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت ومن أفضل ما أنتج من لوحات قام بعرضها في أكثر من مكان في العالم، وفي نهاية المطاف قدمها لأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، حيث حطت في متحف الفن الحديث. ولمحبي جماليات الخط العربي خصص منظمو المتحف إحدى الغرف لعرض لوحات صاغت جماليات الحروف العربية لأبرز الخطاطين في عالمنا الإسلامي منهم الإيراني رفعت موسوي الذي استخدم التذهيب والحبر في خطوطه، والفلسطيني كمال بلاطه الذي ادخل الطباعة في لوحاته كإضافة نوعية مميزة، ومحمد امزيل من المغرب الذي حفر الحرف العربي على الخشب، هذا بالإضافة إلى أعمال وليد الفرهود من الكويت.
إن القيمة الكمية والنوعية للأعمال الفنية التي يزخر بها المتحف فرضت وجود طاقم إداري متخصص يعتني بها وفق تنظيم وإشراف دقيق يحول دون خسارتها وتلفها. وحول هذا الموضوع أفادتنا مسئولة المتحف مها المنصور بقولها: «إن توزيع الأعمال الفنية جاء على أساس تقريبي للمدارس الفنية، فهناك غرف خاصة لعرض لوحات من الفن السريالي، التجريدي التكنيك، كما أننا خصصنا غرفا لعرض أعمال فنية للتراث الكويتي لفنانين كويتيين وأجانب أعطوا انطباعاتهم الفنية عن التراث الكويتي في لوحات فنية، هذا بالإضافة الى غرف تجمع بين لوحات عدد من الفنانين التشكيليين الأجانب فقط. إلا أن هذا العرض غير ثابت، لأننا نعيد توزيع القاعات والأعمال الموجودة فيها باختلاف المواسم الثقافية». إن كثافة الأعمال الفنية التي يحتويها المتحف للفنانين الكويتيين الرواد والمؤسسين للحركة الفنية في الكويت، مكنته من تفعيل وتمثيل الحركة الفنية الكويتية في المشاركات الخارجية بمختلف الملتقيات والمعارض الدولية.
إذا صادفت زيارتك للمتحف إقامة أحد الأنشطة الفنية فيه فقد تتمتع بعرض سينمائي في إحدى القاعتين الضخمتين اللتين خصصتهما الإدارة لاستضافة أعمال الفنانين الكويتيين والعالميين وإقامة الندوات المتعلقة بتاريخ الفن المعاصر، إلى جانب سعي القائمين عليه إلى جمع الكتب المتخصصة في الفن التشكيلي وعرضها بمكتبة المتحف، كما ينظم المتحف جدولا لزيارة طلاب المدارس من مختلف المراحل للاطلاع على ما فيه لتزداد ثقافتهم الفنية ومعرفتهم بتراثهم الفني، ومن يزر المتحف للمره الأولى، فلن تكفيه زيارة واحدة وسيتحتم عليه القيام بزيارات متجددة له للاستمتاع والاستفادة بما يقام من ندوات ومحاضرات ومعارض فنية على مدى العام.