مختارات من:

مـساحة ود

ملك حاج عبيد

الاخـتـيـار الأصـعــب


أنظر إلى زوجي: وسامة, خلق, مكانة, وعناد أيضاً, ظننت أنني أستطيع أن أروّض هذا العناد بالحب والإقناع ولكن الرجال كما الأطفال يعاندون دون أن يقدموا أسباباً.

كنت قد ترمّلت وأنا في الخامسة والعشرين من عمري, أصبح في عنقي طفلان أحاول أن أشق معهما دروب الحياة لم تكن سهلة بوجود زوجي فكيف أصبحت بعد رحيله?!

وظيفة في الصباح وعمل إضافي في المساء, تعب ومسئولية, رحلة قاسية ووحدة مريرة وخوف دائم من كلام الناس ونظراتهم.

كنت الصلبة في الظاهر وفي أعماقي هذا الحنين إلى المؤنس والرفيق الذي أضع رأسي على كتفه لأرتاح, أخفيت هذه الأماني وغرقت في العمل.

منذ ذلك اليوم أحسسنا بهذا الانجذاب القوي الذي رأى كل منا قدره مرسوماً في عيني الآخر.

تباعدنا فكل منا يعرف ظروف الآخر ويقدر مسئولياته ولكن كيوبيد الشقي كان قد رمانا بسهامه فاستسلمنا إليه كما يستسلم السائر في الصحراء لواحة بعد طول التعب.

كان متزوجاً وأباً, وكان ابني وابنتي قد تخطيا سني الطفولة إلى عالم الصبا, تزوجنا سرّاً وتحمّلنا نظرات الشك والتلميحات من الأهل والأصدقاء والجيران, أما عندما علمت زوجته بالأمر فلقد هبّت علينا العاصفة عاتية.

سألت نفسي: هل ندمت?

أجبت بيقين: لا. لقد أحببته.

سألته: هل تشعر بالندم?

قال: لا. حياتي لم تعد تطاق, كنت لي نافذة الأمل.

إذن لماذا يا زوجي وحبيبي وأنا نافذة الأمل تغلق عليّ الأبواب والنوافذ?

- لا أريد حديثاً ولا مزاحاً مع الزملاء. خففي نشاطاتك الاجتماعية.

ثم طلع علي بفكرته المفاجئة:

- اتركي الصحافة, لا أحب أن تعملي في المجال الإعلامي.

نظرت إليه بدهشة وشك وتساءلت في سرّي: أتراه يخاف أن أنافسه في الشهرة, أم يخاف من الحرية التي يوفرها العمل الإعلامي?

ضغطت على نفسي وسألته:

- ما الفرق بين وظيفتي الصباحية والعمل في الصحافة?

قال: هناك فرق كبير.

قلت: حدثني عنه.

قال غاضباً: أنت تعرفين.

قلت: دعنا نتناقش.

قال وهو يصفق الباب وراءه: لا أريد مناقشة.

خيار صعب, أنت الحب والأنس والأمان, وهي متعة الفكر والإحساس بالكيان فمن أختار?

اخترتك يا زوجي... ولكن لا أنكر أن الغصة تؤلمني, مازالت أصابعي تحن للقلم, مازالت الأوراق البيضاء تغويني والأفكار تناديني, ولكنك أيها الطفل المعاند قد وضعتني أمام الخيار الصعب ورغم حزني وعتبي فقد اخترتك

ملك حاج عبيد مجلة العربي مايو 2002

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016